صفات المربي الناجح

إن على المربي إذا شاء أن ينجح في مهمته أن يتسلح ويتلبس بالمعرفة والحب والإكرام والاحترام، وبالعدل والصبر والبذل؛ لأن هذه هي الأسس التي لابد منها لتربية العقول والنفوس، وإعدادها لتحمل المسؤوليات وحملها، وهي التي تكّون معادن النفوس في كل أمـة وفي كل أرض: "تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" . فالتربية الصحيحة والمعدن النفيس والبناء النفسي السوي القويم إنما يتعامل مع أصل طبع الإنسان وفطرته بغض النظر عما إذا كان هذا الإنسان في جاهلية أو إسلام، فالإسلام والفقه بمقاصده السامية يوجه تلك الطاقة ويوظفها نحو الخير والإنجاز الخيّر، أما إذا لم يكن ذلك البناء النفسي وتلك الطاقـة الوجدانية حاضرة فلن يجدي العلم والفقه في دفع العلم، إلى العمل ودفع الفكر إلى التضحية والبذل إلا بالأدنى الأقل. فالعلم والمعرفة ضروريان لنجاح المربي والتربية، ومن دون العلم والمعرفـة بنفسية الطفل ومراحل نموه لن تجدي عواطف الحب؛ بل ربما كانت السبب في ضياع الطفل وسوء تربيته فينشأ عاجزاً مدللاً أنانياً نرجسياً، لا يستطيع أن يقيم علاقات سوية مع سواه، وكما يقولون "عدو عاقل خير من صديق جاهل" الأمثال. وكم من دب جاهل قضى بكل الولاء والحب على صديق نائم ليزيل عن رأسه ذبابـة يخشى أن تزعج منام صاحبه. ومن دون الحب وتمحيص المودة والحرص على مصلحة الطفل، والرغبة والصبر على تحمل أعباء تربية الصغير فلن يفلح المربي على تحمل أعباء التربية، ولا يكون قادراً على كسب ثقة الطفل وولائـه ومودته وحرصه على تقبل توجيهه ونيل رضاه. والعدل هو الأساس المتين الذي يستقر عليه الحب والتكريم والاحترام وفاعلية التوجيه ما بين الطفل والمربي، لأنّ العدل هو محك مصداق مشاعر المربي نحو الطفل، ولن يستطيع الطفل أن يصغي لتعابير الحب ولا مظاهر التكريم إذا لم يصاحبها إحساس بعدل المربي، وعدم التحيّز وتمييز طفل على آخر، أو فئة على أخرى، ذكراً كان أو أنثى، ولذلك فإن على المربي أن يحرص على العدل بين الصغار، وجعل الأفعال تسبق الأقوال في ترسيخ هذا الإحساس لدى الأطفال، وعليه أن يتلطف ويحسن التعامل مع الصغار حين تستدعي الظروف الموضوعية التفرقةَ في التعامل بين الأطفال والإخوان، وإظهار التفهم لمشاعر الطفل وأحاسيسه، وتوضيح الأمرله والمزايا التي يتمتع بها ويتميز بها عمن سواه، حتى في ذلك تتولد ثقة الطفل بالمربي ويقدّر ما يوليه إياه من أحاسيس الحب والود، فأحاسيس الود والحب الحقيقية الصادقة هي أقدر اللغات على التواصل والاقتناع. والصبر والتربية صنوان لا يفترقان، لأن العجز والقصور، والتجربة والخطأ، وحب الاستطلاع والتجريب من صفات الطفولة التي لابد من التعامل معها من قبل المربي بروح إيجابية، وهو الثمن الذي لا بد من أن يدفعه المربي لكي ينمو الطفل وينمو بتكرار محاولاته، والتعلم من أخطائه، واستكشاف طاقاته ومحيطه، ومن دون الحلم والصبر فلن يثمر حب، ولن يفيد توجيه، ولن تستقر عادة، ولن يقوّم سلوك، ولن تنمو قدرة. ودون البذل والحرص على رعاية الطفل وتوفير حاجاته فليس هناك حب ولا إكرام ولا عدل، وبالحب والبذل والصبر كانت الجنة تحت أقدام الأمهات . ونال الوالدان مقام البر وحسن الصحبة . وبالعلم والحب والبذل والصبر فإن المربى والمعلم الذي يتحلى بهذه الصفات المستقاة من صفات المعلم الأمثل عليه الصلاة والسلام يكون موضع الحب والإجلال والإكرام والذكر الحميد من أبنائه ومن تلامذته وعشيرته. إن حسن اختيار المعلمين للأبناء وإكرامهم وتكريمهم يعد، من أهم واجبات الآباء والمجتمع. والأمم التي يتميز معلموها تتميز أجيالها ورجالاتها، والأمم التي ينحط نوع معلميها وقدارتهم وإمكاناتهم تنحط ثقافـة أبنائها وأخلاقهم وقدراتهم. وما استثمر الآباء والأمـم فيما هو أهم وأعظم فائدة وجدوى من الاستثمار في مجال التربية والتعليم بكافـة صوره ومجالاته، على مستوى الأسرة والأبوة، وعلى مستوى الحضان والمدرسة والجامعة، وعلى مستوى المكتبات ووسائل الإعلام ونوادي المعرفـة وتنمية القدرات. لقد كان الرسول  المثل والقدوة في داره ومسجده وخطابه وتوجيهه وإرشاده وصحبته، عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم، وحري بالمسلمين أن يعوا دروس النهج والخطاب النبوي؛ التربوي لإعادة بناء الأجيال المسلمة على سمو الإيمان وقوته، وعلى جهاد العمل الصالح وتزكيته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

توصيف مقرر التغيرات المناخية

    توصيف مقرر التغيرات المناخية   الدكتور / صلاح عبد السميع   توصيف المقرر : يُعد مقرر "التغيرات المناخية" جزءًا من...